2. الاتصالات السلكية
استمر الإنسان في سعيه الدائب، لاستحداث وسائل الاتصال وتطويرها؛ فبعد اكتشاف الكهرباء، فكر العلماء في كيفية تطويعها لتحقيق الاتصال، واختصار المسافة والزمن. وفي عام 1837، اخترع البرق الكاتب، التلغراف، في كلّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، حيث نجح صموئيل مورس ، الأمريكي، والسيدان البريطانيان: وليام كوك ، وشارلز ويتستون في تطوير إرسال الرسائل بأسلوب كهربي، في لحظة، عبر عدة أميال.
التلغراف |
وقبل نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت الاتصالات، داخل الولايات الأمريكية، تعتمد اعتماداً رئيسياً على البرق الكاتب، الذي أصبح منافساً لنظام البريد الأمريكي؛ وسريعاً ما انتشر استخدامه، في أنحاء متفرقة من العالم. ومنذ عام 1851، أسهم البرق الكاتب في نمو الأسواق الاقتصادية العالمية، حيث ربطت بشبكاته السلكية بورصات كلّ من لندن وباريس. وقبل نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت مراكز الأعمال والمكاتب الحكومية، مرتبطة بشبكاته، كما كان تبادل الرسائل الشخصية أمراً ميسوراً، عبر مكاتبه التجارية المنتشرة في كلّ مكان.
إضافة إلى التأثير: الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لاختراع البرق الكاتب، فقد أثر تأثيراً مباشراً في الأعمال العسكرية؛ إذ استُخدم، خلال الحرب الأهلية الأمريكية، في توجيه القوات، وتوفير الإمدادات والمعاونة، وإبلاغ معلومات الاستخبارات المرتبطة بأعمال القوات المعادية وتحركاتها. ولأهمية البرق الكاتب، عسكرياً، أقر الكونجرس الأمريكي، عام 1862، تشريعاً، مكن الرئيس لينكولن من السيطرة على جميع خطوط التلغراف في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أدى هذا إلى إنشاء القوة المدنية للتلغراف العسكري، التي استخدمت أكثر من ألف عامل تلغراف،والعديد من العمال المعاونين لهم؛ وسرعان ما أصبح هذا الكيان سلاح الإشارة، التابع لقيادة الجيش الأمريكي. وفي عام 1861، نجح العالم الألماني، جوان فيليب رايس ، في صناعة أول آلة هاتف، تنقل الصوت إلكترونياً؛ ولكن يُنسب الاختراع الفعلى العملي لجهاز الهاتف، إلى العالم ألكسندر جراهام بل الذي اكتشف، عام 1876، هو ومساعده توماس واطسون ، وسيلة لنقل الصوت بواسطة التيار الكهربائي.
ومثله مثل البرق الكاتب، حقق تأثيراً بالغاً في الاقتصاد، والأداء: الحكومي والعسكري، والسياسة الخارجية، وكلّ مجال من مجالات النشاط الإنساني. وبحلول عام 1900، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، تستخدم أكثر من مليون جهاز هاتف، ترتبط فيما بينها من خلال شبكة الهاتف الوطنية. كما عملت الدول الصناعية الأخرى على بناء شبكات الهاتف الخاصة بها، وكان معظمها، في هذا الوقت، شبكات تملكها وتتحكم فيها الحكومات. ونظراً إلى المعايير الأمنية، تأخر عبور خطوط شبكات الهاتف للحدود السياسية لمعظم الدول. وفي عام 1939، فاق عدد المكالمات الهاتفية، في الولايات المتحدة الأمريكية، عدد الرسائل البريدية. ولم يمض أكثر من 25 سنة على اختراع الهاتف، حتى أصبح شائع الاستخدام في مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا.
وخلال السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر، مُدت مسافات طويلة من خطوط الهاتف، كونت شبكة ضخمة، ساعدت على تحقيق الاتصالات الشخصية.ومنذ بداية القرن العشرين، أصبح جهاز الهاتف موجوداً في كلّ مكان، خاصة في الدول الصناعية. ففي مجال الأعمال والاقتصاد، أسهم الهاتف في تقليل الزمن، الذي يستغرقه عقد الاتفاقات وتنسيقها وتنفيذها، بفاعلية أكثر من التي أتاحها اختراع البرق الكاتب. أمّا بالنسبة إلى المجال: العسكري، والدبلوماسي، فقد ساعد الهاتف والبرق الكاتب، على توفير الاتصال الشخصي، لضمان المزيد من التنسيقوالتفاهم في المواقف المختلفة؛ وأسهما معاً، وخاصة في المجال العسكري، في زيادة سرعة إيقاع الأعمال العسكرية، وتقليل زمن رد الفعل، وزيادة المرونة في استخدام القوات والإمكانيات.
وقد واكب اختراع الهاتف اختراع آخر، استغل شبكات خطوط الهاتف، التي أصبحت تغطي معظم سطح الكرة الأرضية، وهو اختراع الفاكس ، الذي ينقل سلكياً صورة الوثائق المختلفة، من مكان إلى آخر. وقد عاون هذا الاختراع، إضافة إلى الهاتف والبرق الكاتب، على تغلب الاتصالات على عقبات الزمن والمسافة والموقع.تطور تكنولوجي آخر، أدى إلى مرحلة جديدة من مراحل ثورة الاتصالات، وهو اختراع الصمامات الإلكترونية المفرغة . ففي عام 1907، اخترع المهندس الأمريكي، لي دي فوريست ، أول صمام تكبير ثلاثي ؛ استطع تكبير الإشارات الكهربائية الضعيفة، المتولدة في الميكروفون، إلى الحدّ الذي يلائم نقلها، عبر أسلاك الهاتف؛ وبذلك أمكن تحقيق الاتصال الهاتفي، عبر مسافات طويلة جداً، مع الاحتفاظ بالوضوح الكامل للصوت؛ كما أمكن تكرار عملية التكبير، من مكان إلى آخر، لتحقيق مسافات اتصال أطول من تلك التي كانت متاحة قبل ذلك. وكان آخر ما استحدث من وسائل وأساليب، هو استخدام كُبُول الألياف الضوئية، وهو أحدث نقلة تكنولوجية كبيرة في عالم الاتصال السلكي.
الـمـصـدر:
مـقـاتـل مـن الـصـحـراء