بحث مخصص

الاثنين، 8 أغسطس 2011

لـنـتـعـلـم كـيـف نـتـكـلـم؟ (3)

لنتعلم كيف نتكلم
+ ثالثاً: الكلام المناسب:

◄ اختر الكلام المناسب للمقام وللمخاطَب، فأنت تكلم الأميرَ بغير ما تكلم به صديقك.

◄ فكيف ستكلّم ربّ العالمين؟

تكلمه ـ جلّ شأنه ـ بكلِّ تذلُّلٍ وخضوع، مُظهِراً بين يديه الضعفَ والفقرَ والحاجة.

هذا نبيُّ الله أيوبُ ـ عليه السلام ـ: {وَأَيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].

وموسى ـ عليه السلام ـ: {رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].

وزكريا ـ عليه السلام ـ: {قَالَ رَبِّ إنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4].

ومحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «اللهمَّ إني أشكو إليك ضعف قوتي وهواني على الناس، يا أرحمَ الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي..».

وشاعرنا يناجي ربه:

أنا العبدُ الذي أضحى حزيناً على زلاته قلقاً كئيبا

أنا العبدُ الغريقُ بلُجِّ بحرٍ أَصيحُ لربما ألقى مجيبا

أنا المضطرُّ أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا

ـ وعندما تُكلِّمُ الخليفةَ أو الأميرَ أو القائد، فأنت دقيقٌ في كلامك، حريصٌ على انتقاء عباراتِك.


◄ أما عامة الناس فأنت تكلمهم على قدرهم، لا تعطيهم من العلم إلا ما يناسبهم.

قال -صلى الله عليه وسلم-: «كفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع»(9).

وقال علي ـ رضي الله عنه ـ: «حدّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكَذَّب اللهُ ورسولُه؟»(10).

وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «ما أنت بمحدّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»(11).

ومن الحِكَم: (لا تعطوا الحكمة لغيـر أهلهــا فتظلمــوها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم).

◄ وانتقاء الكلمةِ المناسبةِ يُظهِر عقلَك وثقافتك؛ فأنت تعلم أن الكلمة العربية لا تساوي مترادفاتِها، فـ «جلس» لا تؤدي معنى «قعد».. تقول للنائم: اجلس، وتقول للواقف: اقعد.

وكذلك «قام» ليست كـ «وقف».

◄ سمع ابن هَرمة رجلاً ينشد قصيدةً له:

بالله ربِّك إن دخلت فقل لها هذا ابن هَرمةَ قائماً بالبابِ

فقال ابن هرمة: لم أقل «قائماً» وإنما قلتُ «واقفاً».. فما الفرق؟

إن القيام يقتضي الملازمة، وكأنما هو حاجبٌ على باب بيتِها، مقيم عليه ليلاً ونهاراً ينتظر الإذن بالدخول، بما يوحي بالمذلة والضّعة والصّغار، أما الوقوف فغير ذلك.

- انظر إلى قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم»(12)؛ فما رأيك لو وضعت كلمة «تحصيل» مكان كلمة «يطلب»؟

لا شكّ أنه سيأثم الكثير، فطلب العلم يستطيعه كل إنسان، أما تحصيله واستيعابه فهذه نتيجة للطلب، ولا يستطيعها كلُّ إنسان، فما أرحمَ دينَنا!

- وهذا حوارُ رجلٍ مع هشام القرطبيّ:

الرجل (يسأل هشاماً عن عمره):

ـ كم تعدّ؟

هشام: من واحدٍ إلى ألفِ ألفٍ وأكثر.

ـ لم أُرِدْ هذا، كم تعدّ من السنّ؟

ـ اثنين وثلاثين: ستة عشر سناً من أعلى، وستةَ عشر من أسفل.

ـ لم أُرِد هذا، كم لك من السنين؟

ـ والله ليس لي منها شيء، والسنون كلها لله.

ـ يا هذا، ما سِنُّك؟

ـ عَظْم.

ـ ابن كم أنت؟

ـ ابن اثنين: رجل وامرأة.

ـ كم أتى عليك؟

ـ لو أتى عليّ شيء لقتلني.

ـ فكيف أقول؟

ـ تقول: كم مضى من عمرِك؟

- بل إن حروف الجرّ لا تؤدِّي معاني بعضِها بنفس الدقة.

فهذا قوله ـ سبحانه ـ: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] فحرف الجرّ المناسب للعلوّ هو «على»، ولكن عندما تسمع كلمة «علا» يتطاولُ عنقُك إلى السماء، تبحث عن هذا العالي، وإذا بك تفاجأ بأنه مهما علا وعلا فهو في الأرض.

وقوله ـ سبحانه ـ: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أي: على جذوع النخل، ولكن «في» تدلّ في حقيقتها على أنهم داخل جذوع النخل، وكأنهم من شدة إيثاقهم وتعذيبهم أصبحوا داخل جذوع النخل.

وتأمّل رحمةَ الله ـ سبحانه ـ بأمّةِ محمّد -صلى الله عليه وسلم- في قوله ـ جلَّ شأنُه ـ: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4 - 5] ولو قال: في، بدل: عن؛ لهلَكْنا، لماذا؟

◄ وينبغي مراعاةُ مناسبةِ حديثِكَ للزمن المتاحِ لك؛ فلا تفتح مواضيعَ ربّما يطولُ لها الوقت.

◄ ولا مانعَ من إعداد النقاطِ الرئيسةِ لحديثِك ولو كان معَ فرد.

◄ ولو ارتجلتَ الحديثَ فكُن حاضرَ الذهن،دقيقاً في كلامِك، وبخاصّةٍ لو كنتَ رجلاً مسؤولاً؛ إذ تُحسَبُ كلُّ كلمةٍ لكَ أو عليك.

◄ لاحظ تعبيراتِ مستمِعِك؛ فإن لاحظتَ تجاوُبَه معكَ،وفهمَهُ لحديثِك، وإلا فأنْهِ حديثَكَ النهايةَ المناسبة.

◄ كما تراعي حالةَ المستمعِ نفسِه؛ فإن كان مريضاً؛ فهل يجوزُ أنْ تحكيَ له قصةَ مريضٍ بنفسِ مرضِه قد تُوُفِّي بسببِ هذا المرض؟!

◄ وإنْ أردت حديثاً قد يطولُ مع أحد أصدقائِك في الهاتف، فاسألْه سؤالاً صريحاً: هل عندك الاستعداد للحديث الآن؟ أم أنّ هناك وقتاً أنسبَ لك؟ متى؟ فأنتَ لا تراهُ، ولا تعلمُ ما ظروفُهُ الآن.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

Disqus for تواصل