بحث مخصص

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

لـنـتـعـلـم كـيـف نتكلم؟ (5)

خير الكلام
خامساً: الذوق:

◄ باسطْ جلساءك عند الحديث، تواضعْ لهم، لا تكلمْهم من علٍ، اسأل عن أحوالِ مَنْ تكلِّمُه، فإن معظمَ الناس لا يهتمون بما لديك من معرفة إلى أن يعرفوا قدر ما لديك من اهتمام بهم.
◄ اجعل في ثنايا كلامك، بعضَ ألفاظ الاحترام والتقدير لمحدثِك، كبيراً كان أم صغيرا، مثل: (من فضلك.. لو سمحت.. عن إذنك.. يا أُخيّ.. يا عمي.. يا شيخي.. يا مولانا.. يا بُنيّ....) وهذا هو الذوق، وتلك هي الكياسة.
◄ وأثناء حديثِك حافظْ على ابتسامتك اللطيفة المناسبة، يقول أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: «ما رأيتُ أو سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يحدّث حديثاً إلا تبسّم»(15).
إنّ للابتسامةِ وتعبيراتِ الوجه أثرَها في المستمع، فهي تدلُّ على كرمِ الأخلاق، وحسنِ السجيّة، وطيبِ الطويّة.
يقول زهير مادحاً:
تراهُ إذا ما جئته متهللاً كأنّك تعطيه الذي أنت سائلُهْ

◄ راعِ نبرةَ صوتِك أثناء حديثِك، ومدى مناسبتِها للموضوع وللمخاطَب، فلها أثرٌ عظيمٌ في معنى
الكلام.
فإذا قلتَ: ما هذا؟.. أو نَعم.. أو من أنت؟.. بصوتٍ عالٍ.. أو بصوتٍ طبيعيٍّ.. أو بنبرةٍ ساخرة.. أو بلهجةٍ متكبرة.. (جرّب الآن، وانظر الفرق).
ولكن، قد نحتاج إلى الصوت العالي في بعض الأحوال، ومنها:
الإهلال بالحج والعمرة.. الأذان.. التلبية في الحج.. التأمين في الصلاة الجهرية.. الخطبة وموعظة الناس.
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتدّ غضبُه، حتى كأنه منذرُ جيشٍ يقول صبّحكم ومسّاكم»(16).
◄ وراعِ كذلك إشاراتِك ونظراتِك، فالإشارة تدلّ على الاحترام أو الاحتقار، وطريقة النظر تتكلم، وحركة الحواجب تنطق، وتقطيبة الجبين تقول، أمَّا لوي العنق وتصعير الخدّ فهو الكبْرُ عينه. يقول ـ سبحانه ـ: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، والهمزة: هو الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل.
◄ إياك والكلماتِ الفاضحةَ غيرَ المهذّبة؛ فهذه فحشاءُ لا يحب المؤمن إشاعتَها، وفي الكناياتِ مخرج، يغلِّف الكلامَ بغلافِ الأدبِ والحشمةِ والجمال.
انظر إلى تعبير قرآننا العظيمِ عن الجماع: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187]. {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187]. {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } [البقرة: 223]. {فَإذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. {وَإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237].
- ومن كناياتِ العرب:
لسانه طويل (لبذيء اللسان). نشر غسيله (لمن فضح نفسه). نؤوم الضحى (للمُنعَّمَة المترَفة). أوانيه نظيفة (للبخيل). قلبه في جناحي طائر (للخائف). نقية الثوب ـ (للعفيفة).
ذهبت إحداهن تشكو فقرها للخليفة، فقالت: أشكو إليك قلّة الجرذان في بيتي.
◄ لا تكثر من قول: «أنا».. «عندي».. «في رأيي» حذرَ التكبُّر، كما حدث من إبليس اللعين: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} [الأعراف: 12]، وفرعونَ الهالك: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. وقارونَ الخاسر: {قَالَ إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 78].
◄ إذا نصحتَ فلا توجِّه الاتهام لمن تنصحه مباشرةً، ولكن هناك طرق عديدة لطيفة، منها: (ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا؟.. هناك مشكلة عند أحدهم أريد أن أستشيرك في حلّها.. قرأت هذا الكتاب الجميل، وهو لك، اقرأه وقل لي رأيك فيه.. استمع إلى هذا الشريط، سيعجبك.. نريد أن نقوم ببحث في موضوع كذا، فعليه جوائز قيمة).
لا تحاصر من تستجوبه، فإذا أخطأ أحدٌ، وعرفتَ خطأه، وأخذتَ تعاتبه؛ فإنه سيحاول أن يبرّر لك فعلته، وهو نادمٌ عازمٌ على عدم العودة لمثله، فاتركْ له فرصةً للهرب، واستجِب لتبريره، واعفُ واصفحْ يغفرْ لك ربُّك.
****************************
(15) رواه أحمد.
(16) رواه مسلم.


Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

Disqus for تواصل